بغياب القوى السياسية ونوابها.. “سحمر” تعتصم رفضاً لتضييق القوى الأمنية اللبنانية ومنعها بناء منازل دمرتها إسرائيل: الدولة تُكمل ما بدأه العدوان

★بيروت – أحمد موسى

يتصدر أهالي قرى البقاع الغربي التي كانت عرضة للاستهداف الإسرائيلي قائمة المعاناة اليومية، ومشهدية الدمار ترسم صورة واقع الدولة اللبنانية الغائبة عن فعل الحضور وإعادة ما تهدم، فيترك أهالي تلك القرى وحيدين، غياب للوزارات المعنية في الدولة وتجاهل لنواب المنطقة وسياسيوها القيمين عليها، تجاهل يكمل ما تمارسه أجهزة الدولة واستكمالاً لما بدأته إسرائيل من تدمير وتدمير.

لم يأتِ العدوان الإسرائيلي وحده ليهدم بيوت البقاع الغربي، فالدولة بدورها تُكمل المهمة، هو الواقع المتربع على بلدة سحمر كباقي البلدات المجاورة في البقاع الغربي، حيث البيوت المدمَّرة والناس بالكاد يلملمون خسائرهم، أوقفت القوى الأمنية ورش إعمار لمنازل دمّرها العدو، بل وذهبت أبعد من ذلك، فهدمت مشروعاً إنمائياً بحجة “غياب التراخيص”.

بلدة سحمر واحدة من بين ثمانية قرى في البقاع الغربي أصابها الدمار بفعل العدوان الإسرائيلي الأخير، ليس بفعل العدوان “الإسرائيلي” هذه المرة، بل نتيجة إجراءات وصفها الأهالي بـ”التعسفية والقمعية” من قبل القوى الأمنية اللبنانية، مؤكدين أنهم لم يخرجوا من حرب مع العدو ليواجهوا حرباً جديدةً بإسم القانون.

“سحمر كباقي القرى والبلدات المجاورة، صمدت في وجه العدوان الإسرائيلي، تُعاقَب اليوم وكأنها خارجة عن القانون، القوى الأمنية تصرّفت من دون أي تنسيق مع البلدية، وكأن المطلوب معاقبة الناس بدل مساعدتهم، نحن من أكثر اللبنانيين التزاماً بالدولة وبالقانون، لكن ما حصل يضاعف أوجاع الأهالي بدل أن يخففها”، رددها اكثر من شخص بين المعتصمين المحتجين، فجاء قرار إيقاف عدد من ورش البناء المعاد بناؤها بعد أن دمرتها إسرائيل، بل وأقدمت على هدم مشاريع إنمائية في بلدات ما زالت تلملم جراحها، وبغياب نواب المنطقة وسياسيوها ترك أهالي سحمر يواجهون استهداف وغارات الأجهزة الأمنية اللبنانية، تحوّل الغضب الشعبي إلى اعتصام احتجاجي شارك فيه الأهالي وفعاليات البلدة.

القصة بدأت مع إيقاف أعمال ترميم وإعمار لمنازل دمّرها العدوان الإسرائيلي، وصولاً إلى هدم بناء كان ينشأ لمشروع إنمائي، بحجة غياب التراخيص اللازمة، لكن، بحسب الأهالي ورئيس بلدية سحمر محمد الخشن، فإن العقبات الإدارية والأنظمة المعقّدة هي التي تحول دون استصدار هذه التراخيص، الأمر الذي اعتُبر تضييقاً على البلدة وخنقاً على الأهالي الذين دفعوا أثماناً باهظةً من دماء أبنائها وبنيتها التحتية.

الخشن: نحن الأكثر التزامًا بالقانون

رئيس البلدية محمد الخشن شدّد على أن ما جرى استهداف مباشر لأهل سحمر في قوتهم وحياتهم اليومية، معتبراً أن القوى الأمنية تصرّفت من دون أي تنسيق مع البلدية أو إبلاغها مسبقاً.

وقال: “سحمر التي واجهت عدوانًا “إسرائيلياً” همجياً، تُعامَل اليوم وكأنها خارج القانون، مع أننا من أكثر اللبنانيين التزاماً به وتمسكاً بالدولة، كان يمكن إبلاغ البلدية أو المخاتير بأي مخالفة ومعالجتها ضمن الأصول، لكن ما حصل أشبه بمداهمة مفاجئة تركت الأهالي في مواجهة مصيرهم”.

وأضاف الخشن أن أزمة العقارات والأراضي المشتركة تضع الناس أمام معضلات قاسية، مشيراً إلى أن الدولة مطالبة بإيجاد حلول واقعية، فـ”الأهالي بين نار العدوان “الإسرائيلي” من جهة وضغط الدولة من جهة أخرى، والمطلوب مخرج قانوني يحفظ حق الناس بالبقاء على أرضهم وصمودهم، لا ممارسات تزيد من أوجاعهم”.

منعم: هكذا تُنفَّذ غارة قانونية

بدوره، اعتبر مختار سحمر بلال منعم أن الدولة مطالبة بأن تكون “أماً عطوفة على أبنائها” لا سلطة تضغط عليهم، وقال: “جئنا لنتضامن مع أهلنا وناسنا، سحمر قدّمت نموذجاً في الانتماء والعطاء للدولة، لكن ما يحصل اليوم لا يشبه دور الأم التي تحتضن أبناءها، تثبيت المواطن في أرضه حق دستوري، لكن ما نشهده هو غارة قانونية بحق البلدة”.

وأضاف منعم: “نحن لسنا ضد تطبيق القانون، بل جزء من الدولة ومن بنيانها، لكن تنفيذ القانون يحتاج إلى رحمة وعقلانية. كان يمكن تنظيم محاضر ضبط أو اتخاذ إجراءات تدريجية، أما أن تُزال الورش بهذه الطريقة فهذا يفاقم الأزمة. لذلك نطالب وزير الداخلية بمنح البلديات استثناءات لتسوية أوضاع الناس، لأن ما يجري يهدد استقرار البلدة ويدفع أبناءها إلى الهجرة”.

الأهالي: بيوتنا دمرها العدوان والدولة تمنعنا من إعمارها

أما الأهالي المشاركون في الاعتصام، فقد عبّروا عن رفضهم لما جرى، مؤكدين أن هذه الإجراءات تزيد من معاناتهم بدل أن تخفّفها. وقال أحدهم: “بيوتنا دمّرها العدوان، واليوم يمنعوننا حتى من إعادة إعمارها”، في ما اعتبر آخر أن “الهدم استهداف للبلدة وصمودها”.

احتجاج ورسالة سياسية

الاعتصام في سحمر لم يكن مجرد وقفة مطلبية، بل رسالة احتجاج واضحة في وجه إجراءات وصفها الأهالي بالمجحفة، في وقت ما زال فيه الجنوب والبقاع الغربي يعيشان آثار العدوان ويتعرضان يومياً للاعتداءات.

وبينما يصرّ الأهالي على حقهم في الإعمار والبقاء، يبقى السؤال: “هل تُعيد الدولة النظر في مقاربتها، فتمدّ يد العون بدل أن تزيد الأعباء؟ الإجابة رهن الأيام المقبلة”. فالرسالة من سحمر واضحة: كفى تضييقاً، كفى قرارات فوقية، المطلوب دولة تساند أبناءها لا أن تقف في وجههم، أما الهدم الذي شهدته البلدة اليوم، فبالنسبة لأهلها ليس مجرد قرار إداري، بل علامة إضافية على قطيعةٍ تتسع بين الناس والسلطة.

اخبار ذات صلة